مجتمع

أسبوع التقلبات: كيف نفهم الانهيار الحاد للأسواق العالمية؟

كيف نفهم الهبوط الحاد الذي شهدته الأسواق العالمية قبل أيام؟ وهل يجب أن نخشى وقوع أزمة مالية عالمية جديدة؟

future صورة تعبيرية: انهيار البورصات العالمية

خلال أسبوع واحد هبطت الأسواق العالمية هبوطاً حاداً، مُحدِثة حجماً متسعاً من الخسائر يُقارب الستة تريليونات دولار، إلا أنها في نهاية الأسبوع ذاته عاودت الارتفاع وتعويض الخسائر. صاحب هذا التقلب الحاد ارتفاع المخاوف حول حدوث أزمة مالية عالمية جديدة، لا سيما وأن محاولات كبح التضخم لم تنجح بعد، ولا يزال التباطؤ يهمين على آفاق نمو الاقتصاد العالمي. فكيف نفهم هذا الحدث، وهل حقاً يجب أن نخشى وقوع أزمة مالية عالمية جديدة؟

أسواق يقودها الخوف

بدأت الأسواق العالمية أول يوم عمل في الأسبوع، الإثنين الموافق الخامس من أغسطس الجاري، بتراجعات حادة وخسائر مشهودة؛ إذ انخفض مؤشر البورصة الأمريكية الأشهر S&P 500 بنسبة 3%، مسجلاً خسائر بلغت 1.3 تريليون دولار، وهو أكبر هبوط منذ عام 2022. كما خسر مؤشر داو 1000 نقطة، وتراجع مؤشر ناسداك خلال أسبوع بـ0.18%. كما هبطت عملة الـ«بيتكوين» بنسبة 16% تحت مستوى 50 ألف دولار. وانخفض مؤشر KBW لبنوك الأسهم الأمريكية بنسبة 8% في غضون أسبوع. أما في اليابان، فقد انخفض مؤشر نيكاي 225 الياباني بأكثر من 12%، وهو الأداء الأضعف منذ عام 1987.

بالنظر إلى ما حدث، فإن اللاعب الأكبر الذي قاد هذه التراجعات الحادة في الأسواق هو «البيع المدفوع بالذعر»؛ فقد سجل مؤشر تقلبات السوق VIX، الذي يقيس توقعات التقلبات ويعكس أيضاً مستوى خوف المتداولين، ارتفاعاً من 23 نقطة إلى 65 نقطة في يوم الإثنين الخامس من أغسطس؛ إذ انساق المستثمرون للمخاوف المنتشرة كالعدوى، وخلقوا حركة بيع قوية، وأصبح بعضها بيعاً قسرياً؛ إذ اضطر مستثمرون للبيع بهدف تغطية هوامش تأمين القروض التي اقترضوها في السابق.

هذه الحالة من البيع المتسارع أدت إلى تصاعد مستوى اللايقين في السوق، مما جعل المستثمرين يترددون في الشراء، حتى الأصول التي تبدو رخيصة الثمن.

وقد تأثرت الأسواق العربية أيضاً بهذه التراجعات الحادة، إذ انخفض في اليوم ذاته سعر خام برنت بنسبة 0.74%، وسعر خام غرب تكساس بـ0.84%. على إثر ذلك تأثرت الأسواق العربية؛ إذ تراجع مؤشر السوق السعودية بـ400 نقطة، والسوق القطرية بـ138 نقطة، بينما انخفض مؤشر بورصة أبوظبي بـ2.5%، كما تراجع مؤشر البورصة المصرية «إيجي إكس 30» الذي يضم أعلى 30 شركة بنحو 2.7%، ومؤشر «إيجي إكس 100» الذي يضم أقوى 100 شركة بنحو 3.35%.

أسباب التراجع

لم يكن هذا التراجع مفاجئاً في حد ذاته؛ إذ تشهد الأسواق المالية تقلبات بشكل مستمر، إلا أن ما أثار المخاوف هو حدة التراجعات في الأسواق العالمية خلال أقل من أسبوع. أتت هذه التراجعات مدفوعة بعدد من الأسباب، نبرزها في ما يلي:

  1. تقرير الوظائف الأمريكي:

في الثاني من أغسطس الجاري أصدر مكتب العمل الأمريكي تقرير الوظائف الذي أفصح عن ارتفاع معدل البطالة إلى أعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات؛ إذ وصل إلى 4.3%. جاء التقرير مُخيباً للآمال؛ فقد كانت التوقعات السابقة تشير إلى إضافة 175 ألف وظيفة جديدة إلى الاقتصاد الأمريكي، بينما قدّر التقرير أن عدد الوظائف الجديدة 114 ألف وظيفة فقط.

أثار هذا المؤشر مخاوف المستثمرين تجاه آفاق الاقتصاد الأمريكي واتجاهه نحو الركود؛ إذ إن تقرير الوظائف يُستدَل منه على قوة الاقتصاد الأمريكي. وعليه ففور صدور التقرير تزاحمت الحركة نحو البيع.

  1. تداولات القروض وارتفاع الين الياباني:

تنتشر تداولات القروض في الأسواق المالية العالمية؛ إذ تعتمد على الاقتراض قليل التكلفة، وعادة ما يكون بالين الياباني، ثم استثمار أموال الاقتراض في الأصول الأعلى تكلفة، التي تُحقق أرباحاً أعلى. تعتمد هذه الآلية على التربح من الفروق بين سعر الفائدة المنخفض على الاقتراض، والعائد المرتفع على الأصول، في ما يُعرف أيضاً بـ«الرافعة المالية».

تعرضت هذه الآلية لضربة قوية؛ إذ أعلنت اليابان رفع سعر فائدة الين الياباني إلى 0.25% في 31 يوليو الماضي، وقويت العملة اليابانية مقابل سلة مرجحة من العملات بأسرع وتيرة لها منذ عقدين تقريباً. ومن ثم، اتجه المستثمرون وعدد من الصناديق الاستثمارية إلى التسارع على بيع الأصول لسداد الاقتراض بالين الياباني الذي اتجه للارتفاع، مما خلق «ضغطاً على البيع»، فقاد أسعار الأصول إلى الهبوط الحاد، وخيم اللايقين على اتجاه الأسعار.

  1. شبح الفقاعة في قطاع التكنولوجيا:

شهدت أسعار منتجات الذكاء الصناعي ارتفاعاً بأكبر من قيمتها الحقيقة، مُحملة بآمال غير واقعية؛ إذ إن الآمال الواسعة التي ساقت المستثمرين نحو أسهم التكنولوجيا قد قابلتها تراجعات في النتائج المالية لشركات ألفابت، وأمازون، وأبل، وميتا، ومايكروسوفت. مما قاد إلى تراجعات وخسائر قوية في أسهمهم وتهافت على حركة البيع.

في المقابل، تلوح الأخطار السياسية أمام قطاع التكنولوجيا الأمريكي في الأجل القصير؛ إذ تعتمد منتجات الذكاء الصناعي على تصنيع الرقائق التي تقع صناعتها في تايوان أي في مرمى التهديد الصيني بالهجمات.

في هذا السياق أفصح دونالد ترمب المرشح الرئاسي الأمريكي عن أن على تايوان أن تدفع للولايات المتحدة مقابل حمايتها من الصين، مما رفع من الأخطار التي تواجه صناعة الرقائق. أما إدارة جو بايدن فتُخطِّط لفرض قيود جديدة على صادرات معدات تصنيع الرقائق إلى الصين، ومن ثَم ارتفاع تكلفة الصناعة.

عودة نحو المنطقة الخضراء

انتهى الأسبوع القاسي الجمعة الماضي، على تعويض جيد للخسائر وعودة إلى المسار الأخضر؛ فقد ارتفع مؤشر S&P 500 بنحو 2.3%، وارتفعت مرة أخرى «السندات لأجل عامين» مرة أخرى. وفي السياق نفسه، ارتفع سعر «بيتكوين» إلى 60 ألف دولار. وأغلقت السوق الأوروبية على ارتفاع قارب الـ1%.

على الرغم من الخسائر العاصفة في بداية الأسبوع، فإن هناك لاعبين حققوا مكاسب وعلى رأسهم قطاع الأدوية والرعاية الصحية. وعلى الرغم من هذا التقلب الحاد فإن التوقعات المستقبلية الخاصة بالأسواق المالية لا تزال جيدة؛ إذ قدر محللو «بلومبيرج» نمو أرباح مؤشر S&P 500 بأكثر من 14% في عام 2025 و11.8% في عام 2026.

مآلات الحدث

ليس كل انهيار أو تراجع حاد في الأسواق المالية ينذر بأزمة مالية؛ فالأزمة المالية تشير إلى حدوث تقلبات عميقة في الأسواق المالية تؤدي إلى فشل عديد من المؤسسات المالية وغير المالية، وأهم سمة تميز الأزمة هي عدوى الانتقال السريع العابر للقطاعات الاقتصادية، وتعقد الأسباب، والانفلات من السيطرة تماماً.

لم تنطبق هذه السمات على التقلبات الأخيرة التي شهدتها الأسواق المالية مطلع الشهر الجاري؛ إذ نجحت الأسواق المالية في استعادة السيطرة على الأخطار وقيادة الأسهم نحو الصعود الأخضر مرة أخرى، ولم تصل أي من المؤسسات المالية إلى حالة الفشل المالي (العجز عن تغطية المستحقات). وقد قاد هذا التقلب خوفاً وذعراً مبالغين فيهما من المستثمرين، إضافة إلى تلاعب من بعض اللاعبين لاستغلال هذا التقلب. ولكن مع استعادة بعض الثقة انقلب التراجع إلى صعود مرة أخرى.

الخلاصة، أن الأسواق العالمية قد شهدت تقلباً حاداً وواسعاً، ولكنه لم يصل إلى مرحلة الأزمة. ولا تشير الدلالات إلى حدوثها في الأجل القصير إلا أن الأسواق المالية قد تشهد تقلبات أخرى. فلا يزال الاقتصاد العالمي يواجه تحديات الخروج من الركود، وكبح جماح التضخم، وتباطؤ النمو، وبطبيعة الحال سيظل استقرار الأسواق المالية مرتبطاً بهذه التحديات. علاوة على ذلك، تنتظر الأسهم قرار البنك الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة في سبتمبر المقبل، لتعلن مسارها وقدرتها على الصمود أمام التذبذب.

# اقتصاد

إنفوجراف: ملخص الاستثمارات - سبتمبر 2024
تكاليف باهظة: هل يتحمل اقتصاد إيران الحرب مع إسرائيل؟
«نوبل» في الاقتصاد 2024: أثر المؤسسات في ازدهار المجتمعات

مجتمع